فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة البقرة: الآيات 14- 15]:

{وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)}.

.اللغة:

الطّغيان مصدر طغى طغيانا بضم الطاء وكسرها، ولام طغى قيل: ياء وقيل: واو ومعناها مجاوزة الحدّ.
{يَعْمَهُونَ} العمه: التردد والتحير وهو قريب من العمى إلا أنّ بينهما عموما وخصوصا لأن العمى يطلق على ذهاب نور العين وعلى الخطأ في الرأي والعمه لا يطلق إلا على الخطأ في الرأي.

.الإعراب:

{وَإِذا} عطف على ما تقدّم وقد تكرر إعراب إذا فيقاس على ما تقدّم {لَقُوا} أصله لقيوا وهو فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة استثقلت الضمة على الياء فحذفت ونقلت حركتها إلى القاف والواو فاعل والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها {الَّذِينَ} اسم موصول مفعول به {آمَنُوا} فعل وفاعل والجملة لا محل لها من الاعراب لأنها صلة الموصول {قالُوا} فعل وفاعل والجملة الفعلية لا محل لها من الاعراب لأنها جواب شرط غير جازم {آمَنَّا} فعل وفاعل والجملة الفعلية مقول القول: {وَإِذا} عطف على وإذا المتقدمة {خَلَوْا} فعل ماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين والواو فاعل والجملة في محل جر باضافة الظرف إليها {إِلى شَياطِينِهِمْ} الجار والمجرور متعلقان بخلوا والى معناها انتهاء الغاية وسيأتي بحثها في باب الفوائد {قالُوا} فعل ماض والجملة لا محل لها من الاعراب {إِنَّا} إن حرف مشبه بالفعل ونا ضمير متصل في محل نصب اسمها {مَعَكُمْ} مع ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر إن والكاف مضاف إليه وجملة: {إنا معكم} اسمية في محل نصب مقول القول: {إِنَّما} كافة ومكفوفة {نَحْنُ} ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ {مُسْتَهْزِؤُنَ} خبر نحن مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة الاسمية تأكيد لجملة إنا معكم فهي داخلة في حيّز مقول القول ولك أن تجعلها مستأنفة لا محل لها مبنية على سؤال نشأ من ادعاء المعيّة كأنه قيل لهم عند قولهم: إنا معكم فما بالكم تشايعون المؤمنين بكلمة الإيمان؟ فقالوا: إنما نحن مستهزئون أو إنها تعليلية للمعيّة {اللَّهُ} مبتدأ {يَسْتَهْزِئُ} فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا يعود على اللّه والجملة الفعلية خبر {بِهِمْ} الجار والمجرور متعلقان بيستهزئ {وَيَمُدُّهُمْ} الواو عاطفة ويمدهم فعل مضارع مرفوع عطفا على يستهزئ والفاعل مستتر تقديره هو والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به {فِي طُغْيانِهِمْ} الجار والمجرور متعلقان بيمدهم {يَعْمَهُونَ} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة الفعلية في محل نصب على الحال من الضمير في يمدهم.

.البلاغة:

انطوت هاتان الآيتان على فنون عديدة من فنون البلاغة نوجزها فيما يلي:
1- المفارقة بين الجمل فقد خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية وهي جملة آمنا وخاطبوا شياطينهم بالجملة الاسمية وهي جملة إنا معكم وذلك لأن الجملة الاسمية أثبت من الجملة الفعلية فإيمانهم قصير المدى لا يعدو تحريك اللسان، أو مدة التقائهم بالمؤمنين وركونهم إلى شياطينهم دائم الاستمرار والتجدد وهو أعلق بنفوسهم، وأكثر ارتباطا بما رسخ فيها.
2- المخالفة بين جملة مستهزئون وجملة: {يستهزئ} لأن هزء اللّه بهم متجدد وقتا بعد وقت، وحالا بعد حال، يوقعهم في متاهات الحيرة والارتباك زيادة في التنكيل بهم.
3- المشاكلة: فقد ثبت أن الاستهزاء ضرب من العبث واللهو وهما لا يليقان باللّه تعالى، وهو منزه عنهما ولكنه سمّى جزاء الاستهزاء استهزاء فهي مشاكلة لفظية لا أقل ولا أكثر.
4- الفصل الواجب في قوله: {اللّه يستهزئ بهم} لأن في عطفها على شيء من الجمل السابقة مانعا قويا لأنها تدخل عندئذ في حيز مقول المنافقين والحال أن استهزاء اللّه بهم وخذلانه إياهم ثابتان مستمران سواء خلوا إلى شياطينهم أم لا فالجملة مستأنفة على كل حال لأنها مظنّة سؤال ينشأ فيقال ما مصير أمرهم؟ ما عقبى حالهم؟ فيستأنف جوابا عن هذا السؤال.

.الفوائد:

ذكر النحاة معاني لإلى الجارة أحدها الانتهاء وهو الأصل فيها وثانيها المعية كقوله تعالى: {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ} أي مع اللّه وثالثها التبيين وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعد ما يفيد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم تفضيل نحو: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} ورابعها مرادفة اللام نحو {والْأَمْرُ إِلَيْكِ} وخامسها موافقة في كقول النابغة الذبياني:
فلا تتركني بالوعيد كأنني ** إلى الناس مطليّ به القار أجرب

وسادسها موافقة عند كقول أبي كبير الهذلي:
أم لا سبيل إلى الشباب وذكره ** أشهى إليّ من الرحيق السّلسل

وسابعها التوكيد كقراءة بعضهم: {أفئدة من الناس تهوى إليهم} بفتح الواو في تهوى على تضمين تهوى معنى تميل.

.[سورة البقرة: الآيات 16- 17]:

{أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17)}.

.الإعراب:

{أُولئِكَ} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ {الَّذِينَ} خبر أولئك {اشْتَرَوُا} فعل ماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين والواو فاعل {الضَّلالَةَ} مفعول به {بِالْهُدى} الجار والمجرور متعلقان باشتروا والجملة لا محل لها من الاعراب لأنها صلة الموصول {فَما} الفاء حرف للعطف مع التعقيب وما نافية {رَبِحَتْ} فعل ماض والتاء تاء التأنيث الساكنة {تِجارَتُهُمْ} فاعل ربحت {وَما} الواو عاطفة وما نافية {كانُوا} كان فعل ماض ناقص والواو اسمها {مُهْتَدِينَ} خبرها وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم {مَثَلُهُمْ} مبتدأ {كَمَثَلِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مثلهم أو الكاف اسم بمعنى مثل خبر ومثل مضاف إليه {الَّذِي} اسم موصول في محل جر بالإضافة {اسْتَوْقَدَ} فعل ماض مبني على الفتح بمعنى أوقد وهي استفعل بمعنى أفعل ومثله أجاب واستجاب، وأخلف واستخلف والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة: {استوقد} لا محل لها من الاعراب لأنها صلة الموصول واستعمل الذي في موضع الذين ولذلك قال فيما بعد: {بنورهم} {نارًا} مفعول به، وجملة: {مثلهم} مستأنفة مسوقة لضرب المثل لحال المنافقين الذين اشتروا الضلالة بالهدى استحضارا للصورة ورفعا للأستار عن الحقائق {فَلَمَّا} الفاء حرف عطف ولما ظرف بمعنى حين متضمن معنى الشرط وقيل: هي حرف وجوب لوجوب وسماها ابن هشام رابطة {أَضاءَتْ} فعل ماض والتاء تاء التأنيث الساكنة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي {ما} اسم موصول بمعنى المكان مفعول به {حَوْلَهُ} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة ما وزعم بعض اللغويين أن أضاء فعل لازم فيتعيّن أن تكون ما زائدة أي أضاءت حوله {ذَهَبَ اللَّهُ} فعل وفاعل والجملة لا محل لها من الاعراب لأنها جواب شرط غير جازم {بِنُورِهِمْ} الجار والمجرور متعلقان بذهب {وَتَرَكَهُمْ} فعل ماض وفاعل مستتر فيه جوازا ومفعول به أول {فِي ظُلُماتٍ} الجار والمجرور في موضع المفعول الثاني لتركهم {لا} نافية {يُبْصِرُونَ} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة في موضع نصب على الحال المؤكدة لأن من كان في الظلمة لا يبصر.

.البلاغة:

في هاتين الآيتين من فنون البلاغة ما تضيق عنه الصحف وسنحاول تلخيص هذه الفنون:
1- الاستعارة التصريحية الترشيحية والمعنى اختاروا واستبدلوا وقرينة الاستعارة الضلالة ثم رشح لهذه الاستعارة بقوله: {فما ربحت تجارتهم} فأسند الربح إلى التجارة فالمستعار منه الذي هو الشراء رشّح لفظي الربح والتجارة للاستعارة لما بين الشراء والربح من الملاءمة، والترشيح هو أن يبرز المجاز في صورة الحقيقة ثم يحكم عليه ببعض أوصاف الحقيقة فينضاف مجاز إلى مجاز ومن ذلك قول حميدة بنت النعمان بن بشير:
بكى الخزّ من روح وأنكر جلده ** وعجّت عجيجا من جذام المطارف

فد أقامت الخز مقام شخص حين باشر روحا بكى من عدم ملاءمته بقولها: وأنكر جلده ثم زادت في ترشيح المجاز بقولها:
وعجّت أي صاحت مطارف الخز من قبيلة روح هذا وهي قبيلة جذام ومعنى البيت أن روحا وقبيلته جذام لا يصلح لهم لباس الخز ومطارفه لأنهم لا عادة لهم بذلك فكنى عنهم بما كنى في البيت.
2- الفرق بين اشتروا واستبدلوا من وجهين:
ا- أن الاستبدال لا يكون شراء إلا إذا كان فيه فائدة يقصدها المستبدل منه سواء كانت حقيقية أم وهمية.
ب- أن الشراء يكون بين متبايعين بخلاف الاستبدال فإذا أخذت ثوبا من ثيابك بدل آخر يقال: إن ك استبدلت ثوبا بثوب فالمعنى الذي تؤدي إليه الآية أن أولئك القوم اختاروا الضلالة على الهدى لفائدة لهم بإزائها يعتقدون الحصول عليها من الناس فهو معاوضة بين طرفين يقصد بها الربح وهذا هو معنى الاشتراء ومثلهما البيع والابتياع ولا يؤديه مطلق الاستبدال، إذا عرفت هذا أدركت السرّ في اختيار اشتروا على استبدلوا، وتبينت أن القرآن وهو أعلى درج البلاغة لا يختار لفظا على لفظ من شأنه أن يقوم مقامه إلا لحكمة في ذلك، وخصوصية لا توجد في غيره.
3- التتميم في قوله: {وما كانوا مهتدين} وحدّه أن يأتي في الكلام كلمة أو كلام إذا طرح منه نقص معناه في ذاته أو في صفاته أو لزيادة حسنة فقوله: {وما كانوا مهتدين} تتميم لما تقدّم أفاد بأنهم ضالون في جميع ما يتعاطونه من عمل.
4- التشبيه التمثيلي: في قوله: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب اللّه بنورهم} وحقيقة التشبيه التمثيلي أن يكون وجه الشبه فيه صورة منتزعة من متعدّد أي أن حال المنافقين في نفاقهم وإظهارهم خلاف ما يسترونه من كفر كحال الذي استوقد نارا ليستضيء بها ثم انطفأت فلم يعد يبصر شيئا، وهكذا يبدو لك أن التشبيه التمثيلي يعمل عمل السحر في تأليف المتباينين، ويريك للمعاني المتمثلة بالأوهام شبها في الأشخاص الماثلة وينطق لك الأخرس ويعطيك البيان من الأعجم ويريك الحياة في الجماد، ويجعل الشيء قريبا بعيدا، ومن أمثلته في الشعر قول بشار:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ** وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

فقد شبّه ثوران النقع المنعقد فوق الرؤوس والسيوف المتلاحمة فيه أثناء الحرب بالليل الأسود البهيم تتهاوى فيه الكواكب، وتتساقط الشهب وقول أبي تمام يصف الربيع:
يا صاحبيّ تقصّيا نظريكما ** تريا وجوه الأرض كيف تصوّر

تريا نهارا مشمسا قد شابه ** زهر الربا فكأنما هو مقمر

شبه النهار المشمس في الروض البهي المكلل بالأزاهير بالليل المقمر الساجي.
5- المخالفة بين الضميرين فقد وحد الضمير في استوقد وحوله نظرا إلى جانب اللفظ لأن المنافقين كلهم على قول واحد وفعل واحد، وأما رعاية جانب المعنى في {بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ} فلكون المقام تقبيح أحوالهم وبيان ذاتهم وضلالهم فاثبات الحكم لكل فرد منهم واقع.
6- مراعاة النظير: وهو فن يعرف عند علماء البلاغة بالتناسب والائتلاف وحدّه أن يجمع المتكلم بين أمر وما يناسبه مع إلغاء ذكر التضادّ لتخرج المطابقة وهي هنا في ذكر الضوء والنور والسرّ في ذكر النور مع أن السياق يقتضي أن يقول بضوئهم مقابل أضاءت هو أن الضوء فيه دلالة على الزيادة فلو قال بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا والغرض هو إزالة النور عنهم رأسا وطمسه أصلا ويؤكد هذا المعنى أنه قال ذهب بنورهم ولم يقل: أذهب نورهم والفرق بينهما أن معنى أذهبه أزاله وجعله ذاهبا ومعنى ذهب به استصحبه ومضى به معه والغرض إفادة أنه لم يبق مطمع في عودة ذلك النور إليهم بالكلية إذ لو قيل: أذهب اللّه نورهم ربما كان يتوهم أنه إنما أذهب عنهم النور وبقي هو معهم فربما عوضهم بدل ما فاتهم فلما قال: ذهب اللّه بنورهم كان ذلك حسما وانقطاعا لمادة الاطماع من حصولهم على أي خير لهم أو منهم وهذا من أسمى ما يصل إليه البيان وقد تعلق ابن الرومي بأهداب هذه البلاغة حين قال في وصف العنب الرّازقيّ:
لم يبق منه وهج الحرور ** إلّا ضياء في ظروف نور

فجعل ماء العنب ضوءا لأنه أشد توهّجا وأكثر لألاء من قشره الذي هو بمثابة نور يصون ذلك الضوء ويحفظه فما أبرع ابن الرومي في اقتباسه.

.الفوائد:

1- لكاف التشبيه ثلاث حالات:
آ- يتعيّن أن تكون اسما وهي ما إذا كانت خبرا أو فاعلا أو مفعولا أو مجرورة بحرف أو إضافة كما تقدم في الآية وكقول أبي الطيب:
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ** ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا

ب- يتعين أن تكون حرفا وهي الواقعة صلة للموصول.
ج- يجوز فيها الأمران فيما عدا ذلك وسيأتي المزيد من بحث الكاف في هذا الكتاب.
2- ترك: في الأصل بمعنى طرح وخلّى فيتعدّى لواحد وقد يتضمن معنى التصيير فيتعدّى لاثنين.

.[سورة البقرة: الآيات 18- 20]:

{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}.

.اللغة:

{صُمٌّ} جمع أصمّ وهو الذي لا يسمع، يقال: صمّ يصمّ بفتح الصاد فيهما أي ثقل السمع منه وقيل: أصله السّدّ وصست القارورة أي سددتها.
{بُكْمٌ} جمع أبكم وهو الذي لا يتكلم أي الأخرس.
{عُمْيٌ} جمع أعمى والعمى ظلمة في العين تمنع من إدراك المبصرات والفعل منها على وزن عمي على فعل بكسر العين واسم الفاعل على أعمى وهو قياس الآفات والعاهات.
{صيّب} هو المطر الذي يصوب أي ينزل وأصله صيوب اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء.
{السّماء} كلّ ما علاك فأظلّك فهو سماء والسماء مؤنث وقد يذكّر. قال:
فلو رفع السماء إليه قوما ** لحقنا بالسماء مع السحاب

.الإعراب:

{صُمٌّ} خبر لمبتدأ محذوف أي هم صم والجملة مستأنفة {بُكْمٌ}.
خبر ثان {عُمْيٌ} خبر ثالث وهذه الأخبار وإن تباينت في اللفظ متحدة في المدلول والمعنى لأن مآلها إلى عدم قبول الحقّ {فَهُمْ} الفاء عاطفة وهم مبتدأ {لا يَرْجِعُونَ} لا نافية ويرجعون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة خبر هم والجملة عطف على هم صم أي لا يعودون إلى الهدى والمعنى أن مشاعرهم انتقضت بناها التي بنيت عليها للاحساس والإدراك {أَوْ} حرف عطف للتفضيل أي أن الناظرين في حالهم منهم من يشبّههم بحال المستوقد ومنهم من يشبّههم بأصحاب صيب {كَصَيِّبٍ} الجار والمجرور معطوفان على كمثل ولابد من تقدير مضاف أي كأصحاب صيب بدليل يجعلون أصابعهم في آذانهم {مِنَ السَّماءِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لصيب {فِيهِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم {ظُلُماتٌ} مبتدأ مؤخر {وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} معطوفان على ظلمات {يَجْعَلُونَ} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة مستأنفة مسوقة للإجابة عن سؤال مقدر كأنه قيل: فكيف حالهم مع ذلك الرعد؟ فقيل يجعلون {أَصابِعَهُمْ} مفعول به {فِي آذانِهِمْ} الجار والمجرور في موضع المفعول الثاني ليجعلون {مِنَ الصَّواعِقِ} الجار والمجرور متعلقان بيجعلون، ومن سببية وانظر الفوائد {حَذَرَ الْمَوْتِ} مفعول لأجله {وَاللَّهُ} الواو اعتراضية واللّه مبتدأ {مُحِيطٌ} خبر {بِالْكافِرِينَ} الجار والمجرور متعلقان بمحيط والجملة لا محل لها من الاعراب لأنها معترضة بين جملتين من قصّة واحدة وهما: يجعلون أصابعهم ويكاد البرق {يَكادُ} فعل مضارع مرفوع من أفعال المقاربة التي تعمل عمل كان وفيها لغتان: فعل وفعل ولذلك يقال كدت بكسر الكاف وكدت بضمها {الْبَرْقُ} اسم يكاد المرفوع {يَخْطَفُ} فعل مضارع مرفوع وفاعل مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على البرق وجملة: {يخطف} خبر يكاد وخبر هذه الأفعال لا يكون إلا فعلا مضارعا وجملة: {يكاد} مستأنفة كأنها جواب قائل يقول: فكيف حالهم مع ذلك البرق فقيل: يكاد {أَبْصارَهُمْ} مفعول به والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة {كُلَّما} كلّ منصوب على الظرفية الزمانية وقد سرت الظرفية إلى كل من إضافتها لما المصدرية الظرفية وما مع مدخولها {أَضاءَ} في تأويل مصدر في محل جر بالإضافة وقيل: ما نكرة موصوفة ومعناها الوقت والعائد محذوف تقديره كل وقت أضاء لهم فيه فجملة أضاء في الأول لا محل لها لأنها صلة الموصول الحرفي وفي الثاني محلها الجر على الصفة وكلما برأسها متضمنة معنى الشرط والعامل فيها جوابها {لَهُمْ} الجار والمجرور متعلقان بأضاء {مَشَوْا} فعل ماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين والواو فاعل وجملة: {مشوا فيه} لا محل لها من الاعراب لأنها جواب شرط غير جازم {فِيهِ} الجار والمجرور متعلقان بمشوا {وَإِذا} الواو عاطفة وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه {أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ} فعل ماض مبنى على الفتح والفاعل مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على البرق والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها وعليهم متعلقان بأظلم {قامُوا} فعل وفاعل والجملة لا محل لها من الاعراب لأنها جواب شرط غير جازم {وَلَوْ} الواو استئنافية ولو: شرطية وعبارة سيبويه إنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره وهي أحسن من قول النحويين إنها حرف امتناع لامتناع وستأتي مباحث طريفة عنها في هذا الكتاب {شاءَ اللَّهُ} فعل وفاعل ومفعول المشيئة محذوف وهذا الحذف سائغ في كلام العرب يكادون لا يذكرون مفعول شاء إلا في الأمر المستغرب كقول الخريمي:
فلو شئت أن أبكي دما لبكيته عليه ولكن ساحة الصبر أوسع فأن وما بعدها في تأويل مصدر مفعول شئت لأنه شيء مستغرب فحسن ذكره ومثل شاء أراد في هذا الحكم {لَذَهَبَ} اللام واقعة في جواب لو وذهب فعل ماض مبني على الفتح وفاعله مستتر فيه جوازا تقديره هو {بِسَمْعِهِمْ} الجار والمجرور متعلقان بذهب {وَأَبْصارِهِمْ} عطف على يسمعهم {إِنَّ} حرف مشبه بالفعل {اللَّهُ} اسمها المنصوب {عَلى كُلِّ} الجار والمجرور متعلقان بقدير {شَيْءٍ} مضاف إليه {قَدِيرٌ} خبر إنّ وجملة: {لذهب} لا محل لها من الاعراب لأنها جواب شرط غير جازم وجملة: {إن اللّه} تعليلية لا محل لها من الاعراب.